كانت الساعة التاسعة صباحاً، وأنا جالس في الصف الرابع في قاعة المحاضرات في جامعة مانشستر البريطانية، نستمع للمحاضر الذي أصابني بالنعاس بصوته الدافئ وبرودة الجو، ولم يكن فوح رائحة عطر الفتاة القبرصية – صاحبة البشرة الحنطية – تلك التي تجلس بجانبي أي تأثير هذه المرة :)، ولا حتى أصوات الأنجليز العشاق في آخر الصفوف وهم يتبادلون المحبة بطريقتهم الخاصة، ولا حتى محاولتي في التركيز على طريقة تصفيف ولف زميلنا الأفريقي لخصل شعره الأجعد، تلك التي -على الأرجح- أخذت معه أسبوعاً كاملاً للف كل خصلة منها :)، حتى فاجأني هذا المحاضر بعرض
صورة لفيضان تسونامي، ذلك الفيضان الذي ضرب شواطئ أندونيسا والبلاد المجاورة، وأشار إلى المباني التي كانت كلها مستوية على الأرض بفعل الفيضان، إلا مبناً واحداً صغيراً في منتصف الصورة، الوقت الذي استغرقته أنا لفتح عيني الأثنتين لمشاهدة ذلك المبنى – الذي كنت أعرف سابقاً ما هو- كان أطول من المدة التي استغرقها المحاضر في عرض تلك الصورة، لم أكترث وقتها، لأني أعلم منذ زمن بأن هذا المبنى كان مسجداً، وما زال قائماً بقدرة الله عز وجل، ولأن للبيت رباً يحميه فلم يُصب هذا المبنى بسوء، هكذا سمعتهم يقولون، وهكذا تعلمت، وهكذا تعودت أن أفكر، وأن أحلل الحوادث التي لم أكن اتوقعها، وبالتالي، توقعت تماماً من المحاضر أن يخبرني بنفس تحليلاتي، ربما بلغة الإنجيل، لا يهم، المهم انه لن يخرج عن نطاق ما أفكر به، ولكن – ولحسن الحظ :) – توقعاتي لم تكن في محلها بتاتا!!..
صورة لفيضان تسونامي، ذلك الفيضان الذي ضرب شواطئ أندونيسا والبلاد المجاورة، وأشار إلى المباني التي كانت كلها مستوية على الأرض بفعل الفيضان، إلا مبناً واحداً صغيراً في منتصف الصورة، الوقت الذي استغرقته أنا لفتح عيني الأثنتين لمشاهدة ذلك المبنى – الذي كنت أعرف سابقاً ما هو- كان أطول من المدة التي استغرقها المحاضر في عرض تلك الصورة، لم أكترث وقتها، لأني أعلم منذ زمن بأن هذا المبنى كان مسجداً، وما زال قائماً بقدرة الله عز وجل، ولأن للبيت رباً يحميه فلم يُصب هذا المبنى بسوء، هكذا سمعتهم يقولون، وهكذا تعلمت، وهكذا تعودت أن أفكر، وأن أحلل الحوادث التي لم أكن اتوقعها، وبالتالي، توقعت تماماً من المحاضر أن يخبرني بنفس تحليلاتي، ربما بلغة الإنجيل، لا يهم، المهم انه لن يخرج عن نطاق ما أفكر به، ولكن – ولحسن الحظ :) – توقعاتي لم تكن في محلها بتاتا!!..
لم يذكر هذا المحاضر الله في محاضرته هذه المرة، واكتفى بتحليل سبب وقوف تلك الكنيسة -على حسب زعمه- بطريقة بنائها والمواد التي استخدموها في البناء، وما الأمور التي اكتشفوها أثناء زيارتهم لهذا المبنى بعد الفيضان، وكيف أنهم استفادوا من طريقة بناء هذه الكنيسة في تكوين مادة بناء جديدة غير المستخدمة، وأصبحت هذه المادة هي الأقوى والأكثر استخداماً، لدرجة أن المملكة العربية السعودية قد اشترت حقوق تصنيع هذه المادة وبنوا لها مصنعاً في بلادهم، كل هذه المعلومات التي سردها المحاضر كانت بالنسبة لي صدمة فكرية، لم أعتد عليها، شعرت أنني تائه بعض الشيء، هل صحيح أن ذلك المسجد وقف في وجه الفيضان بقدرة الله عز وجل أم أن هناك سبب علمي منطقي وموضوعي لهذا الحدث!! لماذا قمنا نحن بتحليل وقوف المسجد فوراً بأن للبيت ربٌ يحميه؟؟ لماذا لم نفكر في سبب وقوف هذا المبنى وذهبنا لتفحصه واكتشاف سبب هذه المعجزة الإلاهيه؟ لماذا اكتفينا بتأويل الأمور لمعجزات إلاهية وكأننا ينقصنا معجزات للإيمان بوجود الله؟؟!!
انتهت المحاضرة، وخرجت من ذلك المبنى متجهاً لمطعمي المفضل “جوجش بروكس“، ذلك المطعم الملقى على زاوية شارع برينسيس، جلست على طاولتي المعتادة وطلبت وجبتي المعتادة، وقررت أن أُقلِّب تفكيري المعتاد على الامور، فما ثبت قبل قليل في المحاضرة أنني اعاني من مشاكل في ربط السبب في المسبب، بل واجبار السبب بأن يختفي ويظهر مكانه تفسير ديني يريحنا من التأويل والتفكير، وظهرت كذلك أعراض هذه المشكلة في باقي جوانب حياتي، فأنا سأعلل نجاح زواجي -المستقبلي- أو فشله بـ” القسمة والنصيب”، وسبب حصولي على درجة سيئة في آخر مشروع دراسي بأنه “قدري”، وأعلل سبب عدم حصولي على وظيفة جديدة بعد تخرجي بأنها “مش مكتوبه لالي” :) كل هذه المصطلحات هي في جوهرها صحيحه، ولكن طريقة استخدامها يشوبها العلل، واستياء الاجانب من كلمة “إن شاء الله” في الحقيقة مبرر، فهو تعليل لكل تقصير، وتفسيرها بأن جميع ما أقوم به أنا هو الصحيح، والفشل جاء لعدم مشيئة الله بالنجاح، كلها تفسيرات ينقصها الدراسة المنطقية والتسلسلية للأمور، في حين أن قدر الله وكتابه لا يعارضان هذه الدراسة، ولا يرفضان تحليل الامور وتفسيرها بمنطقية، بل على العكس، يدعونا للسعي وراء النجاح، والعمل الجاد والتفكير بمنطقية، الله يأمرنا بالبحث وراء الأسباب، والعمل على تعديل الأخطاء، والمحاولة مجدداً، ليس فقط تأويل الأمور بميشئته ونخرج نحن منها “زي الشعرة من العجينة” :)
توسع التفكير بهذا الموضوع شيئاً فشيئاً، حتى أنني بدأت أضحك في منتصف المطعم عندما تذكرت قصة الرجل الذي سرق في عهد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وبرر سبب سرقته بأن هذا هو قدره، وكيف أن عمر أجابه بذكاء عالي، وقال له: “ونحن بقدر الله نقطع يدك”، وكأنه يعلم جيلاً بحاله، أن تأويل الامور جميعها للقدر والنصيب يجعل منا شعوباً “مترهله”، تترك سعيها وراء الأفضل ظناً منها أن الله سيحل الأمور ويجلب لنا الخير، فنقول: “ربنا يجيب اللي فيه الخير”، وتكملت الدعاء في عقولنا الباطنة تقول: “ربنا يجيب اللي فيه الخير.. بس أنا ما حجيب إشي” :)
تحياتي..
انتهت المحاضرة، وخرجت من ذلك المبنى متجهاً لمطعمي المفضل “جوجش بروكس“، ذلك المطعم الملقى على زاوية شارع برينسيس، جلست على طاولتي المعتادة وطلبت وجبتي المعتادة، وقررت أن أُقلِّب تفكيري المعتاد على الامور، فما ثبت قبل قليل في المحاضرة أنني اعاني من مشاكل في ربط السبب في المسبب، بل واجبار السبب بأن يختفي ويظهر مكانه تفسير ديني يريحنا من التأويل والتفكير، وظهرت كذلك أعراض هذه المشكلة في باقي جوانب حياتي، فأنا سأعلل نجاح زواجي -المستقبلي- أو فشله بـ” القسمة والنصيب”، وسبب حصولي على درجة سيئة في آخر مشروع دراسي بأنه “قدري”، وأعلل سبب عدم حصولي على وظيفة جديدة بعد تخرجي بأنها “مش مكتوبه لالي” :) كل هذه المصطلحات هي في جوهرها صحيحه، ولكن طريقة استخدامها يشوبها العلل، واستياء الاجانب من كلمة “إن شاء الله” في الحقيقة مبرر، فهو تعليل لكل تقصير، وتفسيرها بأن جميع ما أقوم به أنا هو الصحيح، والفشل جاء لعدم مشيئة الله بالنجاح، كلها تفسيرات ينقصها الدراسة المنطقية والتسلسلية للأمور، في حين أن قدر الله وكتابه لا يعارضان هذه الدراسة، ولا يرفضان تحليل الامور وتفسيرها بمنطقية، بل على العكس، يدعونا للسعي وراء النجاح، والعمل الجاد والتفكير بمنطقية، الله يأمرنا بالبحث وراء الأسباب، والعمل على تعديل الأخطاء، والمحاولة مجدداً، ليس فقط تأويل الأمور بميشئته ونخرج نحن منها “زي الشعرة من العجينة” :)
توسع التفكير بهذا الموضوع شيئاً فشيئاً، حتى أنني بدأت أضحك في منتصف المطعم عندما تذكرت قصة الرجل الذي سرق في عهد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وبرر سبب سرقته بأن هذا هو قدره، وكيف أن عمر أجابه بذكاء عالي، وقال له: “ونحن بقدر الله نقطع يدك”، وكأنه يعلم جيلاً بحاله، أن تأويل الامور جميعها للقدر والنصيب يجعل منا شعوباً “مترهله”، تترك سعيها وراء الأفضل ظناً منها أن الله سيحل الأمور ويجلب لنا الخير، فنقول: “ربنا يجيب اللي فيه الخير”، وتكملت الدعاء في عقولنا الباطنة تقول: “ربنا يجيب اللي فيه الخير.. بس أنا ما حجيب إشي” :)
تحياتي..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
((خير الكلامِ ماقلَ ودَل ))